فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا الناس إلى الله ورسوله وكان رجلًا محببًا سهلًا وكان أنسب قريش لقريش وأعلمها بما كان فيها وكان رجلًا تاجرًا وكان ذا خلق حسن ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من يثق به من قومه فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا على يده وصلوا معه فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق الناس إلى الإسلام ثم تتابع الناس بعدهم في الدخول إلى الإسلام وأما السابقون من الأنصار فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وهي العقبة الأولى وكانوا ستة نفر: أسعد بن زرارة وعوف بن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رباب ثم أصحاب العقبة الثانية من العام المقبل وكانوا اثني عشر رجلًا ثم أصحاب العقبة الثالثة وكانوا سبعين رجلًا منهم البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة فهؤلاء سباق الأنصار ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة يعلمهم القرآن فأسلم على يده خلق كثير من الرجال والنساء والصبيان من أهل المدينة وذلك قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقيل: إن المراد بالسابقين الأولين من سبق إلى الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أن الله سبحانه وتعالى ذكر كونهم سابقين ولم يبين بماذا سبقوا فبقي اللفظ مجملًا فلما قال تعالى: {من المهاجرين والأنصار} ووصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارًا وجب صرف اللفظ المجمل إليه وهو الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أيضًا أن الهجرة طاعة عظيمة ومرتبة عالية من حيث إن الهجرة أمر شاق على النفس لمفارقة الوطن والعشيرة وكذلك النصرة فإنها مرتبة عالية ومنقبة شريفة لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وآووه وواسوه وآووا أصحابه وواسوهم فلذلك أثنى الله عليهم ومدحهم فقال سبحانه وتعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}.
قوله تعالى: {والذين اتبعوهم بإحسان} قيل: هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين فعلى هذا القول، يكون الجميع من الصحابة.
وقيل: هم الذين سلكوا سبيل المهاجرين والأنصار في الإيمان والهجرة والنصرة إلى يوم القيامة وقال عطاء هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار فيترحمون عليهم ويدعون لهم ويذكرون محاسنهم.
(ق) عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدًا» وفي رواية «أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». أراد بالقرن في الحديث الأول أصحابه.
والقرن الأمة من الناس يقارن بعضهم بعضًا واختلفوا في مدته من الزمان.
فقيل: من عشر سنين إلى عشرين.
وقيل: من مائة إلى مائة وعشرين سنة.
والمد: المذكور في الحديث الثاني هو ربع صاع.
والنصيف: نصفه.
والمعنى: لو أن أحدًا عمل مهما قدر عليه من أعمال البر والإنفاق في الحاجة.
وقوله سبحانه وتعالى: {رضى الله عنهم ورضوا عنه} يعني رضى أعمالهم ورضوا عنه بما جازاهم عليها من الثواب وهذا اللفظ عام يدخل فيه كل الصحابة {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}
قال أبو موسى الأشعري، وابن المسيب، وابن سيرين، وقتادة: السابقون الأولون من صلى إلى القبلتين.
وقال عطاء: من شهد بدرًا قال: وحوّلت القبلة قبل بدر بشهرين.
وقال الشعبي: من أدرك بيعة الرضوان، بيعة الحديبية ما بين الهجرتين.
ومن فسر السابقين بواحد كأبي بكر أو عليّ، أو زيد بن حارثة، أو خديجة بنت خويلد، فقوله بعيد من لفظ الجمع، وإنما يناسب ذلك في أول من أسلم.
والظاهر أنّ السبق هو إلى الإسلام والإيمان.
وقال ابن بحر: هم السابقون بالموت أو بالشهادة من المهاجرين والأنصار، سبقوا إلى ثواب الله وحسن جزائه، ومن المهاجرين والأنصار أي: ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة أولًا وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير فعلمهم القرآن.
قال ابن عطية: ولو قال قائل: إن السابقين الأولين هم جميع من هاجر إلى أن انقضت الهجرة، لكان قولًا يقتضيه اللفظ، وتكون من لبيان الجنس.
والذين اتبعوهم بإحسان هم سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ التابعون، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان.
وقد لزم هذا الاسم الذي هو التابعون من رأى من رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبد الله الرازي: الصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة والنصرة، لأن في لفظ السابقين إجمالًا، ووصفهم بالمهاجرين والأنصار يوجب صرف ذلك إلى ما اتصف به وهي الهجرة والنصرة، والسبق إلى الهجرة صفة عظيمة من حيث كونها شاقة على النفس ومخالفة للطبع، فمن أقدم أولًا صار قدوة لغيره فيها، وكذلك السبق في النصرة فازوا بمنصب عظيم انتهى ملخصًا.
ولما بين تعالى فضائل الأعراب المؤمنين المتصدقين، وما أعد لهم من النعيم، بين حال هؤلاء السابقين وما أعد لهم، وشتان ما بين الإعدادين والثناءين، هناك قال: {ألا إنها قربة لهم} وهنا {رضي الله عنهم}، وهناك {سيدخلهم الله في رحمته} وهنا {وأعد لهم جنات تجري}، وهناك ختم: {إن الله غفور رحيم} وهنا {ذلك الفوز العظيم}.
وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وقتادة وعيسى الكوفي وسلام وسعيد بن أبي سعيد وطلحة ويعقوب والأنصار: برفع الراء عطفًا على والسابقون، فيكون الأنصار جميعهم مندرجين في هذا اللفظ.
وعلى قراءة الجمهور وهي الجر، يكونون قسمين: سابق أول، وغير أول.
ويكون المخبر عنهم بالرضا سابقوهم، والذين اتبعوهم الضمير في القراءتين عائد على المهاجرين والأنصار.
والظاهر أن السابقون مبتدأ ورضي الله الخبر، وجوّزوا في الخبر أنْ يكون الأولون أي: هم الأولون من المهاجرين.
وجوّزوا في قوله: {والسابقون}، أن يكون معطوفًا على قوله: {من يؤمن} أي: ومنهم السابقون.
وجوزوا في والأنصار أنْ يكون مبتدأ، وفي قراءة الرفع خبره رضي الله عنهم، وذلك على وجهين.
والسابقون وجه العطف، ووجه أنْ لا يكون الخبر رضي الله، وهذه أعاريب متكلفة لا تناسب إعراب القرآن.
وقرأ ابن كثير: من تحتها بإثبات من الجارة، وهي ثابتة في مصاحف مكة.
وباقي السباعة بإسقاطها على ما رسم في مصاحفهم.
وعن عمر أنه كان يرى: والذين اتبعوهم بإحسان، بغير واو صفة للأنصار، حتى قال له زيد بن ثابت: إنها بالواو فقال: ائتوني بأبيّ فقال: تصديق ذلك في كتاب الله في أول الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} وأوسط الحشر: {والذين جاءُوا من بعدهم} وآخر الأنفال: {والذين آمنوا من بعد} وروي أنه سمع رجلًا يقرؤه بالواو فقال: من أقرأك؟ فقال: أُبيّ فدعاه فقال: أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قال عمر: لقد كنت أرانا وقعنا وقعة لا يبلغها أحد بعدنا. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}
يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم.
قال الشعبي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية.
وقال أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، والحسن، وقتادة: هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن كعب القرظي: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أبيُّ بن كعب. فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه. فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم.
قال: وسمعتَها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أبيُّ: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجمعة: 3] وفي سورة الحشر: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} [الحشر: 10] وفي الأنفال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 75] إلى آخر الآية، رواه ابن جرير.
قال: وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤها برفع {الأنصار} عطفا على {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ}.
فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولاسيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة، رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} بيان لفضائل أشرافِ المسلمين إثرَ بيانِ فضيلةِ طائفةٍ منهم، والمرادُ بهم الذين صلَّوا إلى القبلتين أو الذين شهِدوا بدْرًا أو الذين أسلموا قبل الهجرة {والانصار} أهلُ بَيْعةِ العقبةِ الأولى وكانوا سبعين رجلًا والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زُرارةَ مصعبُ بنُ عمير. وقرئ بالرفع عطفًا على والسابقون {والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ} أي ملتبسين به، والمرادُ به كلُّ خَصلةٍ حسنة وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين على أن (من) تبعيضيةٌ أو الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعةِ إلى يوم القيامة، فالمرادُ بالسابقين جميعُ المهاجرين والأنصارِ ومن بيانية {رَّضِىَ الله عَنْهُمْ} خبرٌ للمبتدأ أي رضي الله عنهم بقَبول طاعتِهم وارتضاءِ أعمالِهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بما نالوه من رضاه المستتبِعِ لجميع المطالبِ طرًا {وَأَعَدَّ لَهُمْ} في الآخرة {جنات تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار} وقرئ من تحتها كما في سائر المواقع {خالدين فِيهَا أَبَدًا} من غير انتهاءٍ {ذلك الفوز العظيم} الذي لا فوزَ وراءه وما في اسم الإشارةِ من معنى البُعد لبيان بُعدِ منزلتِهم في مراتب الفضلِ وعظمِ الدرجةِ من مؤمني الأعراب. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} بيان لفضائل أشراف المسلمين إثر بيان طائفة منهم، والمراد بهم كما روي عن سعيد وقتادة وابن سيرين وجماعة الذين صلوا إلى القبلتين، وقال عطاء بن رباح: هم أهل بدر، وقال الشعبي: هم أهل بيعة الرضوان وكانت بالحديبية، وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة {والانصار} أهل بيعة العقبة الأولى وكانت في سنة إحدى عشرة من البعة وكانوا على ما في بعض الروايات سبعة نفر وأهل بيعة العقبة الثانية وكانت في سنة اثنتي عشرة وكانوا سبعين رجلًا وامرأتين.
والذين أسلموا حين جاءهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وكان قد أرسله عليه الصلاة والسلام مع أهل العقبة الثانية يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين {والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ} أي متلبسين به، والمراد كل خصلة حسنة، وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين على أن {مِنْ} تبعيضة أو الذين أتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة فالمراد بالسابقين جميع المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم، ومعنى كونهم سابقين أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمون وكثير من الناس ذهب إلى هذا.